نحن مقبلون على شهر عظيم ألاَ وهو شهر رمضان،
وما أدراك ما شهر رمضان، شهر البَرِّ والإحسان، شهرٌ أوّلُه رحمة وأوسطُه
مغفرة، وآخرهُ عِتْقٌ من النِّيران، شهر تَمَنَّى النّبيّ صلّى الله عليه
وسلّم لقائه، إذ قال في دعائه: ''اللّهمّ بارِك لنا في رجب وشعبان
وبَلِّغْنا رمضان''.
قبل حلول شهر رمضان المعظَّم، شهر الصّبر، شهر الطّاعة، شهر الذِّكر، على المسلم استذكار هذه الوقفات الخمس:
إذا
قَدِم عليك شهر رمضان فوضعتَ أوّل قدم على أعتابه، فحري بك أن تتذكَّر
نعمة مِن الله أسداها إليك ومِنّة من الله أولاها إليك، وهذه النِّعمة أن
بَلَّغَك الله شهر رمضان، فإذا بلغْتَ شهر رمضان فتذَكَّر مِنَّة الله عليك
واحمُد الله على الوصول والبلوغ وقُل: ''اللّهمّ لك الحمد على أن بلغتني
رمضان لا أحصي ثناء عليك''، فإن قُلتَ هذا وتمكنَتْ هذه النِّعمة من قلبك
تَأذَّنَ الله لك بالمزيد ''وَلَأِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ''.
عقد
النية على صلاح القول والعمل، ولْتَكُن من بداية هذا الشّهر عزم بينك وبين
الله على المسير إلى الله والتقرُّب إليه بطاعتِه وذِكِرِه وحسن عبادته.
جاء في الصّحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى
الله عليه وسلّم: ''إذا كان صوم يوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخَب فإن سابه
أحدٌ أو شاتمه فليقل إنِّي صائم''. لأنّ الصّيام لا يقتصر عند الإمساك عن
الطعام والشّراب فحسب، ولكن هناك صيام عن الإحجام عن الكلام الّذي لا يُرضي
الله عزّ وجلّ، وهناك صيام عن الأفعال الّتي تسخط الله عزّ وجلّ. هذا
الشّهر هو شهر التوبة والإنابة والمغفرة، إذ صحّ عن النّبيّ صلّى الله عليه
وسلّم أنّه قال: ''إنّ الله يبسط يده باللّيل حتّى يتوب مُسِيءَ النّهار
ويبسط يده بالنّهار حتّى يتوب مسيءَ اللّيل حتّى تطلع الشّمس من مغربها''،
ذنوب العام تُمحَى لمَن صدق مع الله في هذا الشّهر. فمَن لم يتُب إلى الله
عزّ وجلّ في رمضان، فمتَى يتوب؟ ومَن لم يعُد إلى الله عزّ وجلّ في رمضان،
فمتى يعود؟ ومن الأمور المهمّة الّتي ينبغي للمسلم أنْ يفعلها قبل حلول شهر
رمضان المبارك، أن يَتَفَقَّهَ في أحكام الصّيام وما يتعلّق بشروطه وآدابه
وسننه وما يجب وما لا يجب إلى غير ذلك، حتّى يُهيِّئ نفسه لاستقبال شهر
رمضان المعظَّم، وقد صحّ عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: ''مَن
يُرِد الله فيه خيراً يُفَقِّهُ في الدِّين''.
فاغتنموا أيّام هذا الشهر
ولياليه وساعاته في الاستزادة من الخير والإقبال على الله عزّ وجلّ، فإنّ
العاقل لا يفرط في هذه الأيّام. ''اللّهمّ بلِّغنا رمضان وأعِنَّا فيه على
الصّيام والقيام، واجعلنا فيه ووالدينا من عتقائك من النّار.