تحكمه شروط شرعية لا يلتزم بها الكثيرون

من الأمور المستقر عليها شرعا المعالجة بالقرآن الكريم، والتداوي بآياته
الطاهرة من شر الأمراض وتبعاتها. ومن المؤكد أن للمعالجة بكلمات الله
التامات شروطا واجبة وصفات لازمة يجب توافرها في المعالج وكذا في المريض.
حول دور العلاج القرآني في التشافي من الأمراض، وما يجب أن يتمتع به
المعالج والمريض، والأخطاء التي يقع فيها كثير ممن يقومون بذلك والتي تذهب
بالفائدة المرجوة من العلاج، وغيرها من التوضيحات الشرعية حول هذا الموضوع،
يدور الحوار التالي مع الشيخ محمد مصطفى الذي بدأ الحديث بقوله:
الله تعالى عرّف السبب الذي من أجله أنزل القرآن الكريم في أول صفحة من
صفحاته، حيث قال سبحانه: “ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين”، فأخبر أن
الحكمة من إنزال القرآن تعبيد الناس لربهم وإخراجهم من الظلمات الى النور
ومن الضلالة الى الهدى، وقال سبحانه في آخر سورة (ق): “إن في ذلك لذكرى لمن
كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد” صدق قوله تعالى.
ويضيف: لم ينزل القرآن ليعلق في السيارات والبيوت أو يقرأ في المآتم وعلى
الأموات، فقد قال سبحانه وتعالى: “لينذر من كان حياً ويحق القول على
الكافرين” صدق قوله عز وجل. لذا ففي القرآن الكريم الكثير من المعارف
والعلوم التي يعجز البشر عن الإحاطة بها، فضلا عن إحصائها، فيفتح الله
تعالى على من شاء من خلقه في كل عصر وزمان بما يصلحهم وينفعهم ولا مانع من
أن ينتفع المسلم أو الكافر بالقرآن الكريم لا سيما في التشافي به.

كمال اليقين



ويواصل: والله جل جلاله أخبر أن في القرآن شفاء من كل داء، فإذا قرئ على
المريض بيقين وإخلاص وكمال توكل على الله وصدق اللجوء إليه مع موافقة ذلك
لقضاء الله عز وجل وقدره بحصول الشفاء، فيحصل بإذنه تعالى، والعلماء شرطوا
جملة من الشروط للتداوي بهذا الكتاب العظيم أهمها كمال اليقين بحصول الشفاء
بكلام رب العالمين.



ما خطوات العلاج بالقرآن الكريم؟


تتشابه في كثير من الأحوال خطوات العلاج بالقرآن مع خطوات العلاج النفسي،
فلا بد من تهيئة المريض والاستماع الي شكواه، والتعرف الى مواطن الخلل
الإيمانية فيه، وإعادة جدولة وتنظيم حياته الإيمانية من المحافظة على
الصلاة والكف عن المحرمات.

أيمكن أن ينتفع الكافر بالقرآن للعلاج من علة ألمّت به؟


ينتفع بالقرآن انتفاعا كاملا من آمن بالله وبكتابه وبرسوله، وواظب على فعل
الطاعات وترك المنكرات، وهذا الانتفاع ينفع في الدنيا والآخرة، أما الكافر
فلأنه راغب في حصول الشفاء فلا يشترط له إلا كمال اليقين بحصول الشفاء
بهذا العلاج، وقد أقر ذلك علماء الطب قاطبة إذ أكدوا أن ثقة المريض في
طبيبه ونوعية علاجه تمثل نسبة عالية جدا في حصول الشفاء.

إذن ما خطوات العلاج الأخرى؟


إذا تمت تهيئة المريض للعلاج بالقرآن دللناه بداية على الدعاء وصدق التوجه
الى الله سبحانه وتعالى، ثم نرفع إيمانه بالقضاء والقدر، إذ إن ما أصابه
ما كان ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه، وإنه تعالى لطيف بعباده، إذ لن
يؤتى أحد من الله إلا كل خير، ومن ثم عقب ذلك على المريض أن يجمع كفّيه
ويقرأ فيهما ما ورد الدليل عليه من السنّة الصحيحة مثل الفاتحة وآية الكرسي
وخواتيم سورة البقرة والإخلاص والمعوذتين، وينفث في كفّيه ثلاثا ويمسح على
جسمه ولا يتعجل الشفاء، فالرقية دعاء، وقال صلى الله عليه وسلم : “يستجاب
لأحدكم ما لم يعجّل، يقول دعوت ودعوت فلم يستجب لي”، وما دامت الرقية دعاء
فليداوم المريض عليها فيأتيه الشفاء بإذن الله، ثم بعد ذلك له أن يقرأ ما
شاء من القرآن على نفسه وزوجه وأولاده، فكله شفاء من كل داء إذا أذن الرب
تعالى، وله أن يقرأ ما سبق ذكره على الماء كما ورد بذلك الحديث الشريف وقد
صححه العلامة ابن باز رحمه الله في أن النبي الكريم صلوات الله وسلامه عليه
عوذ في الماء وسقى منه مريضا، وعليه عمل السلف قاطبة، ثم له أن يقرأ على
زيت الزيتون ويدهن به، ففي الحديث الصحيح عن النبي صلوات الله وسلامه عليه
أنه قال: “كلوا من هذا الزيت وادهنوا به فإنه من شجرة مباركة” ثم ان يشرب
من عسل النحل ففيه قال الله تعالى: “فيه شفاء للناس” ولا بأس من تناول
الأدوية والعقاقير الطبية التي يصفها له أهل الاختصاص من الأطباء الثقات،
فإن النبي صلوات الله وسلامه عليه قال: “تداووا عباد الله ولا تداووا بحرام
فإن الله لم ينزل داء إلا أنزل له دواء عرفه من عرفه وجهله من جهله”.

علاج شامل



هل يفيد القرآن في التشافي من جميع الأمراض؟


هذا حديث لا يقوله إلا من خالط الإيمان بشاشة قلبه، أي لم يستقر الإيمان
في قلبه فإن أي مؤمن على وجه الأرض إذا سمع قوله تعالى “وننزل من القرآن ما
هو شفاء ورحمة للمؤمنين”. علم أنه شفاء من كل داء، وهنا مسألة ينبغي
التنبيه إليها وهي أن حرف (من) في الآية لا يعني التبعيض وإنما هو بيان
للجنس كما يقول أهل اللغة، فإن كل القرآن شفاء، ولكن ينبغي التنبيه الى أنه
يشترط في حصول الشفاء كمال اليقين وإذن الله عز وجل.

هل يحتاج الإنسان في بعض الحالات الى أن يرقيه غيره؟


نعم، ومن طالع سنة النبي صلوات الله وسلامه عليه يدرك ذلك، فقد رقى جبريل
عليه السلام الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه، كما رقى الرسول عليه
صلاة الله وسلامه الحسن والحسين وعشرات الحالات غيرهما، لذا فالإنسان يحتاج
في بعض الأحيان الى الاستعانة بعد الله عز وجل بغيره، ويقول عليه الصلاة
والسلام: “من استطاع منكم أن ينفع أخاه فلينفعه” وقال صلى الله عليه وسلم:
“اعرضوا عليّ رقاكم، فلا بأس بالرقي ما لم يكن شركاً”.

صفات واجبة



ما الصفات التي يجب توافرها في الشخص الذي يلجأ إليه المريض أو من يسمى المعالج بالقرآن أو الراقي؟


لا بد أن يكون مسلماً ديناً تقياً عالماً بالكتاب والسنّة صحيح العقيدة،
مطلعاً على بعض أعراض الأمراض العضوية، وأن يكون قد اشتهر بين الناس بذلك.
هل ترون أن من يتصدرون لهذا الأمر في هذا الزمان تتوافر فيهم هذه الصفات؟
لا، وأنا جازم إلا من رحمه الله عز وجل، فإن أغلبهم إلا من رحمه الله
يرتكب من المخالفات الشرعية والتعدي على المريض بل على علم الغيب في بعض
الأحوال الكثير.

ما جملة المخالفات التي يقع فيها من تصدروا لهذا الأمر؟


إن من تصدر لهذا الباب إذا فقد شرطاً أو الشروط التي سبق ذكرها فإن قدمه
تزلّ ويا ليته يهوي وحده، وإنما يهوي معه من وثق فيه وفي أمانته، فإن إيهام
المريض بإصابته بمرض ما من دون علم أو دراية من الجرأة على الله سبحانه
وتعالى، فكم من مريض يلجأ الى واحد منهم فإذا شكا حاله إليه جزم بأنه مسحور
أو محسود ولا ينقضي عجبنا إذا علمنا أن رسول الله صلوات الله وسلامه عليه،
وهو الأكثر علماً وديناً وتقوى، لم يدرك ما أصابه من السحر حتى أعلمه
الوحي، فأين هذا الوحي الآن الذي ينزل على أحدنا إذا اشتكى له مريض ليخبره
بعلة هذا المريض؟

مخالفات عديدة


ويتابع: على من يقوم بالعلاج بالقرآن أن يرقي الناس ويدعو لهم من دون أن
يشخص لهم فيوهمهم، أما المخالفات التي يقع فيها هؤلاء فمن جملتها الخلوة
بالنساء ومس المرأة والضرب المبرح والصعق بالكهرباء وخلط الأدوية الشعبية
من دون علم أو دراية، وجمع أكثر من مريض والقراءة عليهم في وقت واحد،
واستخدام أشرطة الرقية الشرعية، ووضع السماعات في أذن المريض والقراءة من
خلالها، وما خفي غير ذلك كان أعظم.

ما نصيحتكم لمن أراد أن يستعين بأحد من هؤلاء بعد الله عز وجل؟


لا بد لهؤلاء بعد صدق اللجوء الى الله سبحانه وتعالى والتوكل عليه من
الانتقاء والاختبار، فإن الواحد منا إذا أهمته قضية في المحاكم مثلا طلب
لها محاميا بارعا وسأل عنه مرة واثنتين وثلاثاً، حتى يتيقن من أن قضيته في
أيدٍ أمينة، وكذلك فإن المريض يسأل الأهل والأصدقاء وأهل المعرفة والاختصاص
قبل أن يذهب الى الطبيب ليعالجه من مرضه، فأولى له إذا أراد طالب علم أو
عالماً يرقيه بالكتاب والسنّة أن يسأل عنه عشرات المرات وأكثر من شخص
ليستوثق من دينه وأمانته وعلمه، ثم لينتبه الواحد منا الى من يعالجه
بالقرآن الكريم، ففي وقت العلاج لا بد من الوقوف على ما يقوله المعالج وما
يقرأه وعلى أسلوب تعامله، فإذا كان يتمتم بكلام غير مفهوم أو يأتي بأشياء
ليست من أمر الكتاب والسنّة في شيء فلا بد من إبلاغ السلطات الرسمية عنه
وهذا خير ما يفعله الشخص الفطن الصالح.

كيف يمكن أن يعلم المرء أن مساً من الجان لحقه من عدمه؟


الحق أنه يجب ألا يجزم أي منا أبداً بإصابته بشيء من أمراض الجان كالسحر
أو المس والحسد، وإنما هو ظن، والظن لا يغني من الحق شيئاً، إما قد تعرض له
بعض الأعراض التي قد تشير الى هذه الإصابة من دون جزم أو يقين فنقول كما
في القرآن الكريم “إن نظن إلا ظناً وما نحن بمستيقنين”، وهنا ملاحظة
ضرورية، فإذا كان في القرآن شفاء من كل داء فلا يعنينا نوع الداء ولا داعي
للتشخيصات الموهمة، فقد يجد الإنسان من نفسه صدوداً عن الذكر والعبادة، أو
ضيق صدر عند سماع القرآن، أو رؤى مفزعة أو ألماً لم يعرف له الأطباء سبباً
أو علاجاً أو ما شابه تلك الأعراض، حينئذ عليه اتخاذ الخطوات العلاجية التي
سبق ذكرها.