مسألة: الجزء الثامن التحليل الموضوعي
[ ص: 286 ] ( وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ ( 29 ) إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ ( 30 ) فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى ( 31 ) وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى ( 32 ) ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى ( 33 ) أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى ( 34 ) ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى ( 35 ) )
( وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ ) قَالَ قَتَادَةُ : الشِّدَّةُ بِالشِّدَّةِ . وَقَالَ عَطَاءٌ : شِدَّةُ الْمَوْتِ بِشِدَّةِ الْآخِرَةِ . وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ : تَتَابَعَتْ عَلَيْهِ الشَّدَائِدُ ، وَقَالَ السُّدِّيُّ : لَا يَخْرُجُ مِنْ كَرْبٍ إِلَّا جَاءَهُ أَشَدُّ مِنْهُ .
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : أَمْرُ الدُّنْيَا بِأَمْرِ الْآخِرَةِ ، فَكَانَ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنَ الدُّنْيَا وَأَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ أَيْامِ الْآخِرَةِ .
وَقَالَ مُجَاهِدٌ : اجْتَمَعَ فِيهِ الْحَيَاةُ وَالْمَوْتُ .
وَقَالَ الضَّحَّاكُ : النَّاسُ يُجَهِّزُونَ جَسَدَهُ وَالْمَلَائِكَةُ يُجَهِّزُونَ رُوحَهُ .
وَقَالَ الْحَسَنُ : هُمَا سَاقَاهُ إِذَا الْتَفَّتَا فِي الْكَفَنِ . وَقَالَ الشَّعْبِيُّ : هُمَا سَاقَاهُ عِنْدَ الْمَوْتِ . ( إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ ) أَيْ مَرْجِعُ الْعِبَادِ [ يَوْمَئِذٍ ] إِلَى اللَّهِ يُسَاقُونَ إِلَيْهِ . ( فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى ) يَعْنِي : أَبَا جَهْلٍ ، لَمْ يُصَدِّقْ بِالْقُرْآنِ وَلَا صَلَّى لِلَّهِ . ( وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى ) عَنِ الْإِيمَانِ . ( ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ ) رَجَعَ إِلَيْهِمْ ( يَتَمَطَّى ) يَتَبَخْتَرُ وَيَخْتَالُ فِي مِشْيَتِهِ ، وَقِيلَ : أَصْلُهُ : " يَتَمَطَّطُ " أَيْ : يَتَمَدَّدُ ، وَالْمَطُّ هُوَ الْمَدُّ . ( أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى ) هَذَا وَعِيدٌ عَلَى وَعِيدٍ مِنَ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - لِأَبِي جَهْلٍ ، وَهِيَ كَلِمَةٌ مَوْضُوعَةٌ لِلتَّهْدِيدِ وَالْوَعِيدِ .
وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ : مَعْنَاهُ أَنَّكَ أَجْدَرُ بِهَذَا الْعَذَابِ وَأَحَقُّ وَأَوْلَى بِهِ ، يُقَالُ لِلرَّجُلِ يُصِيبُهُ مَكْرُوهٌ يَسْتَوْجِبُهُ .
وَقِيلَ : هِيَ كَلِمَةٌ تَقُولُهَا الْعَرَبُ لِمَنْ قَارَبَهُ الْمَكْرُوهُ وَأَصْلُهَا [ مِنَ الْوَلَاءِ ] مِنَ الْمَوْلَى وَهُوَ [ ص: 287 ] الْقُرْبُ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : " قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ " ( التَّوْبَةُ - 123 ) .
وَقَالَ قَتَادَةُ : ذُكِرَ لَنَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ أَخَذَ بِمَجَامِعِ ثَوْبِ أَبِي جَهْلٍ بِالْبَطْحَاءِ وَقَالَ لَهُ : " أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى " فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ : أَتُوعِدُنِي يَا مُحَمَّدُ ؟ وَاللَّهِ مَا تَسْتَطِيعُ أَنْتَ وَلَا رَبُّكَ أَنْ تَفْعَلَا بِي شَيْئًا ، وَإِنِّي لَأَعَزُّ مَنْ مَشَى بَيْنَ جَبَلَيْهَا! فَلَمَّا كَانَ يَوْمَ بَدْرٍ صَرَعَهُ اللَّهُ شَرَّ مَصْرَعٍ ، وَقَتَلَهُ أَسْوَأَ قِتْلَةٍ . وَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ : إِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ فِرْعَوْنًا [ وَإِنَّ ] فِرْعَوْنَ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَبُو جَهْلٍ .