توفي، صباح
أمس الجمعة، الذي صادف أول يوم من شهر رمضان الكريم، عمي يوسف بن خوفاش عن
عمر يناهز 58 عاما، بعد أن توقف قلبه فجأة، إثر معاناة مع المرض استمرت
أكثر من خمسة أشهر، تاركا وراءه خمسة أطفال معاقين ذهنيا، يصارعون قساوة
الحياة رفقة أمهم، التي ستجد نفسها ابتداء من اليوم مجبرة على التكفل بخمس
معاقين يقطنون في منزل غير لائق بوادى السبت ببلدية حمام قرقور شمال سطيف.
الحيرة الآن تنتاب الأم المسكينة، التي تصرخ: من سيكفل
هؤلاء الأطفال الذين كانوا يأكلون تارة وينامون جياعا تارة أخرى لما كان
والدهم على قيد الحياة.. فما بالك اليوم لما غيب الموت عمي يوسف؟ الذي أبكى
أهل وادي السبت الذين يعرفون الرجل جيدا، خاصة لما ابتلاه الله بأمراض
حاصرته من كل جانب، الى أن اصبح مجمّعا لأمراض القلب والكلى والضغط الدموي
والأعصاب والسكري وغيرها من الابتلاءات. وقد سبق لعمي يوسف أن أبكى الكثير
من الجزائريين عندما نشرت قصته الحزينة على صفحات الشروق اليومي، خاصة
عندما خاطبهم وهو طريح الفراش يهمّ بالذهاب إلى مستشفى وهران لإجراء عملية
جراحية على مستوى القلب، حيث كتب وصية لكل اهل الخير، ألا ينسوا ابناءه
المرضى، وأن يعطفوا عليهم، لكن القدر شاء أن يعود بعد أسبوعين دون أن تتحسن
حالته، بل زادته السفرية حسرة وألما، حيث قال يومها بإطلاق صيحة لكل
المؤمنين.. "بالله عليكم يا إخواني أنقذوني من الموت حتى لا أترك أولادي
المعاقين ذهنيا أيتام"، وهي الكلمات التي أثرت في فاعلي الخير، الذين لم
يبخلوا عليه وعلى أولاده المعاقين بالمواد الغذائية ومصاريف الدواء، لكن
قبل أن تبلغ الاعانات النصاب، توفي عمي يوسف مخلفا وراءه حالات إعاقة لا
يقدر على التكفل بها أي شخص آخر، فالطاقم الطبي فشل في إجراء العملية، ولم
يتمكن من فعل أي شيء لعمي يوسف، بسبب تفاقم الداء الذي سيطر على قلبه
الضعيف، الذي لم يعد يحتمل أي نوع من العلاج، وبالتالي تم إلغاء العملية
وزادته الحالة المعنوية البائسة لعمي يوسف، وخوفه على مصير أبنائه
ليستسلم الرجل الى الداء، وهو ينظر بعين الحسرة إلى أبنائه المعاقين.
وكان قبل أن يفارق الرجل الحياة تحدث عن مأساته للشروق اليومي واختصرها
في القول، إذا سمعتم بأب له طفل معوّق اسألوا عن حاله ستجدونه من أشقى
الناس، فما بالكم بمن له خمسة معوقين، وإعاقتهم ذهنية، أي أنهم لا يفقهون
ما يفعلون، ولا دور لهم في الحياة سوى الأكل والشرب والتبرز في أي مكان.
وتحدث عمي احمد عن زوجته التي عانت هي الأخرى الأمرين، فلم تعد تقدر على
التكفل بأبنائها، خاصة بعدما تخلى عن مساعدته بسبب المرض الذي أقعده
الفراش من 5 أشهر. عمي أحمد صرح لنا قبل وفاته أنه يتمنى لو يرزق ابناؤه
بمسكن لائق على الأقل، ليطمئن على حالهم قبل الوفاة.
لكن
يبدو أن أمنيته لم تتحقق، وقد غادرنا قبل أن يشهد رحيل عائلته من الحارة
التي يسكنها، والتي توشك على الانهيار فوق رؤوس ساكنيها. عمي يوسف تمنى أن
ينام أبناؤه على أسرة مريحة عوض النوم على الأرض، وتمنى لو أن امهم نعمت
بالراحة، ولقيت من يساعدها في التكفل بهم، لكن كل هذه الاماني اندثرت، رغم
التضامن الذي ابداه سكان وادي السبت، الذين يتساءلون اليوم من سيكفل
المعوقين الخمس وأمهم.