انتشرت
ظاهرة تأجير السيارات في تونس انتشار النار في الهشيم، وأفرزت واقعا جديدا
يعتمد على هذا النمط من الخدمات سواء كان ذلك للترفيه أو لحاجة قصوى كنقل
مريض، أو لنقل العرسان الذين لا يملكون سيارات عند الزفاف، وغيرها من
المناسبات التي تتطلب السرعة أو الراحة.
إلا أن الطاهر السائحي، وهو معلم لقيادة سيارات، التقته «الشرق الأوسط»،
قال إن «أطرافا أخرى تعمد حاليا إلى تأجير السيارات لمهمات أخرى، مثل
ترويج المخدرات وتهريب الخمور، وغيرها من السلبيات والمخالفات التي يعاقب
عليها القانون».
أمر آخر مثير للإزعاج، وفق السائحي، هو «عدد حوادث السيارات المرتفع
بسبب الاستخدام الأهوج للسيارات المستأجرة من قبل الشباب الصغار
والمنحرفين، وكذلك من قبل من يحمل رخصة سواقة لكنه لم يمارسها، أو مر عليه
وقت طويل لم يجلس فيه خلف المقود». ويعتقد بعض المستأجرين أن المبلغ
المستأجرة به سيارات الإيجار - أو الكراء – مرتفع، ويرد الصاع صاعين للشركة
التي استؤجرت منها السيارة من خلال قلة الحيطة، بل تعمد المرور بها على
الحفر والحواجز الأسفلتية داخل المدن بسرعة تفوق المطلوب وهو ما يتسبب في
أضرار لأصحاب الشركات.
«الشرق الأوسط» سألت عددا من مستخدمي سيارات التأجير، وبعض أصحاب
الشركات، وجميعهم أكد الدوافع السابقة المعهودة للتأجير. من هؤلاء حاتم
الميساوي، الذي قال: «ليست هذه المرة الأولى التي أستأجر فيها سيارة،
ولكنها ليست لأسباب ترفيهية أو إجرامية كما يفعل البعض، بل لنقل خالتي إلى
المستشفى بتونس العاصمة» وتابع: «استئجار سيارة لا ينم عن وجود فائض من
المال لدى كل من يفعل ذلك، وإنما الحاجة. وكثيرون يقترضون ثمن استئجار
السيارة ويردونه بالتقسيط».
أما خميس بوجمعة، فقال: «أصحاب السيارات جشعون ويمتصون دماء الناس، لذا
كلما استأجرت سيارة وضعت كل ما في صدري من غل فيها.. وهكذا نكون متساوين في
الضرر». ونفى خميس شعوره بالندم متسائلا: «لماذا أندم؟ ربما ندمت على
الدفع فقط. ومع أن قلة الاعتناء بالسيارة لم يعد علي بالنفع المباشر، فإنني
انتقمت على كل حال».
بعكس خميس، أكد توفيق الفطناسي أنه عندما يستأجر سيارة فإنه يحافظ عليها
كما يحافظ على ممتلكاته وأكثر، مضيفا: «ما دام أن أحدا لم يجبرني على
استئجار السيارة بالسعر المعروض، لماذا أتعمد تخريبها»، وتابع: «كثيرون من
الذين حاولوا الانتقام من الشركات المؤجرة انتهى بهم الأمر إلى حوادث
مميتة، أو تعطلت بهم السيارات في الطرقات، ولو أن كل شخص مستأجر انتقم من
صاحب شركة التأجير لأغلقت جميع هذه الشركات.. فما سيكون البديل عند الحاجة
يا ترى؟».
على صعيد آخر، التقينا بصاحب مؤسسة لتأجير السيارات هو رياض النهاري،
الذي أنشأ مؤسسته قبل 4 سنوات، فبادرنا بالقول: «التجربة ليست جيدة، ونحن
غير راضين. فمثل هذه المشاريع غير ناجحة 100 في المائة، علاوة على وجود
سرقات لسياراتنا، وعقلية بعض المستأجرين لا تشجع على الاستمرار». ومن ثم
أوضح أنه على الرغم من أن العقود المبرمة مع الزبائن تقضي بتحمل الزبون
المسؤولية القانونية الكاملة في حال حصول حادث أو ضبط ممنوعات بالسيارة،
فإن الواقع مختلف. واستطرد: «لقد سرقت منا سيارات وتحطمت أخرى في حوادث
سير، مما سبب لنا خسائر كبيرة، وقدمنا كثيرا من الشكاوى.. ولكن دون جدوى».
وتابع النهاري: «الواقع أن بعض المستأجرين يزعمون عند الاستئجار أنها
لحاجات الزواج أو نقل المرضى لكنهم يستخدمونها في نقل الخمر وترويج
المخدرات.. ومن ثم، عندما تحجز الشرطة السيارة، فإنها تضعها في مستودع
الحجز ونحن من يدفع قيمة المخالفة، وهذا مع أنه يوجد بند في العقد يحمل
الزبون المسؤولية عن كل شيء».
ثم أردف: «سيارات كثيرة سرقت من المؤسسة، وأخرى سرقت من الزبون، وطبعا
شكونا، غير أننا لم نحصل على أي شيء.. فالزبون لا يتحمل سوى نسبة 4 في
المائة بينما 96 في المائة تتكبدها الشركة». وتابع بوجوم: «اليوم شركات
كثيرة مهددة بإغلاق أبوابها، وهناك شركات أغلقت بالفعل». وأنهى كلامه
قائلا: «في نهاية الأمر، فإن التأجير للأعراس هو الأفضل؛ إذ إن السيارة
تسير ببطء ونحن من يسوق السيارة، وبعد أن نوصل العروسين إلى منزلهما نعود
بالسيارة بلا مشكلات».
يذكر أنه على الرغم من وجود نقابة لشركات تأجير السيارات، أسست بعد
الثورة، فإنها غير فاعلة وإن كانت الشركات قد توصلت إلى قرارات؛ منها أن لا
تؤجر لأي شخص، لا سيما صغار السن ومن لم تمر سنتان على حصوله على رخصة
السواقة. ومع أن أصحاب شركات التأجير يحرصون على توصية المستأجر بتحاشي
المرور على الحفر وعلى الحواجز الأسفلتية، فإن توصياتهم غالبا ما تذهب
أدراج الرياح. وهنا لا بد من الإشارة إلى أنه وفقا للقانون لا يجوز تكوين
شركة أو مؤسسة ما لم تملك 25 سيارة على الأقل ودفع جميع الأداءات والضرائب.