1_ سيدي)..مثال الرجل المستقيم)
كان المو ظف في الادارة متواضعا في كل شيئ. تو اضع فرض عليه منذ دخل سلك الوظيفة العمومية.لقد تعلم أشياء كثيرة لم تكن في حسبانه..تعلم أن يحمر خجلا و ينكس رأسه عند مصادفته أو تقاطعه مع من هم أكبر مرتبة منه . تعلم أن يسرع الخطى تجاه المقر كي لا يصل متأخرا ..لقد كا نت الساعات تضبط بموعد قدومه و هذا بشهادة رؤسائه حتى انه يتعمد عدم الذهاب الى المنزل زوالا كي لا يخرق هذا الموعد فيقتصر على وجبات الطريق الخفيفة لأن صحته المالية لم تعد تستحمل مزيدا من الثقوب في جيوبه المثقوبة أصلا....تعلم أن يبتسم للجميع وفي جميع الأ حوال' فلا يهم أكان مسرورا أم متبرما ضجرا أم حزينا مقهورا ' لا يهم' لأن العمل يفرض الالتزام بالبشاشة والأناقة ' الشيئ الذي كان يكلفه الكثير كي يبدو مثال الرجل المستقيم
تعلم الخضوع للأوامر وتنفيذها د و ن أن ينبس ببنة شفة...تعلم السير مستقيما في عمله ' وعند مخاطبته الناس تعلم أن يسبق كلامه بعبارة "سيدي" كأن يقول مثلا ""نعم سيدي""' ''""صباح الخير سيدي"" ' ""سمعا وطاعة سيدي""......حتى ان هاته العادة اصبحت
رديفة له ومقرو نة به' فأضحى لا ينفك عنها حتى خارج العمل في أحاديثه مع زملائه ومع البقال وبائع الجرائد والنادل في المقهى وسائق الحافلة التي تقيله كل صباح ' الى درجة أن أمست هاته اللازمة لقبــــــا له اشتهر به بين الناس' ومع توالي الأيام تناسى الكل اسمه الحقيقي و أصبحو ا يدعو نه (سيدي) تهكما و سخرية تارة وانكارا واحتقارا تارة أخرى
2__حالة(سيدي )مع الأرقام
كان (سيدي) مثال الموظف القدوة في عمله.
كان (سيدي) مثال الرجل اللبق
كان (سيدي) رجلا شقيا. يقتات الأصفار و تقتاته المشيئة . يترقب نهاية كل الشهر بفارغ الصبر . يفرح غاية الفرح اذا كان الشهر ثلاثين يوما لا أكثر ' أما اذا كان ثمانية وعشرين ' وهذا ما لا يحصل الا نادرا' __وكم كان يحب كلمة ( نادرا) هاته__فان عاطفة الموظف البسيط تتأجج سعادة وامتنانا لمثل هذا الشهر الجليل' لكن _ ويا للأسف _أغلب الشهور الملعونة في السنوات الأخيرة تزيد أيامها على الثلاثين' بل هناك قرار جديد __ليس يدري من أي داهية خرج__أفجعه و ألزمه الفراش أياما معدودات' قرار بموجبه تصبح جميع الشهور أربعين يوما بالتمام والكمال' وذلك تسهيلا لعملية احصاء الأيام وتنظيم استعمالات الزمن وترشيد النفقات وتدقيق المصاريف
سيدي ) أمسى رائدا من رواد التفرج على الأرقام وهي تتصاعد قدما الى الأعلى في حسابات ورواتب الآخرين' وكم كان يفتح فاه مستغربا من هول هاته الأرقام' وكم كان يندهش للبون الشاسع بين الأصفار التي تعشعشه وبين تلك التي تتراقص أمام عينيه في حركات غنج وخفر كمومس تأبى أت تهب نفسها لأي كان' خاصة اذا كان على شاكلته ' هو صاحب الشهادات المرقعة والخبرة المدهونة بزيت الكد والمثابرة العجفاء. انهم لا يبالون به ' حتى استحقاقاته في الترقية تأخرت كثيرا' وعبثا كتب واشتكى و أ م وقصد ودق الأبواب تلو الأبواب ' وفي كل المرات التي كان يرد فيها خائبا' كانت الحسرة والفقصة تتصاعدان معه حتى تكادان توديان به لولا تشبته بخصال اللباقة والكياسة ' فتعلم أن يصبر و يصبر ثم يصبر حتى يفرج الله ' فالرجاء فيه أولا وأخيرا ... وانتظارا.. فليتشبت ببشاشته وأناقته عسى أت تكتب له في ميزان حسناته
3_ سيدي) يأكل النقانق ويقرأ الجرنال)
سيدي) يستيقظ مبكرا ليصل مبكر ا)
سيدي) يمتطي الحافلة مثل باقي الناس واقفا لأنها مكتظة ومكدسة)
سيدي ) يؤوب الى البيت متأخرا وقد يخيط الشوارع طولا وعرضا دونما هدف عند انتهائه من الأشغال مساء . أما زوالا ' فيكتفي بوجبة خفيفة في المقهى حذاء المقر الكبير
سيدي) مليئ بالثقوب لذلك تلفي الأمواه تقطر من خلال ثناياه و هو عنها لاه)
كان يقبع في مكان ما من (لاتيراس) ويطلب خبزا محشوا بما هب ودب من النقانق . .سيان عنده مادام ثمنها لا يتجاوز الأرقام المحدودة في جيبه. يتجرع (سيدي ) قهوة سوداء ثقيلة مبتسما و عيناه تتابع مجموعة من عمال الانعاش ينشرون أجسادهم و يمددونها باهمال و تكاسل على جنبات العشب الأخضر الذي تعبوا في جزه و تشذيبه طيلة الصباح وجزءا كبيرا من الظهيرة و يستمرون كذلك طيلة النهار' بل طيلة أيام حتى نهاية الأشغال لينتقلوا الى مكان آخر قرب مقر آخر كبير هو الآخر يديره ناس كبار آخرون
سيدي ) يبتاع جريدة' يقرأ الحروف البارزة ...."تدني العملة".."الجراد في السهول والوديان".."أزمة الصحة العالمية".."الحمى القلاعية وجنون البشر"..كثرة الحمقى والمخبولين"...عيشة الضنك والكدية..أف!!...غلاء الخبز وتصاعد الضرائب..أف..لكم يكره هاته النعوت الحنقة المتكالبة عليه منذ ما يزيد عن أربعين سنة . لقد شاخت همته وجمدت عواطفه ' فلم يعد يعرف للجمال معنى' لأنه لم يعرف هاته الصفة في حياته ' فهي مفقودة نادرة...(سيدي ) حصان عجوز يجر بالكاد عربة مهترئة مثقلة بعائلة كبيرة الأعداد من الضحايا والمشردين والمعطلين وأصحاب المعاشات الرخيصة...(سيدي ) يحلم كثيرا ' لكنه عندمـــــا يتيقن بلا جدوى الحلم يكتفي بأكل النقانق وتجرع القطران من الفناجين..( سيدي) انسان شقي..( سيدي ) انسان وحيد ...
أف!!.. يقرب ما بين محجريه ضاغطا على بؤ بؤ يه غارقا في الجريدة و هو يحاول عبثا أن يميز بين الحروف الدقيقة. يز يح النظارة الطبية ثم يستغرق في مسح ما علق من غبار على العدستين الزجاجيتين دون فائدة.. فالعلة ليست في النظارة بل في عينيه اللتين أمستا محجبتين بغشاوة بيضاء سميكة اسمها ( أجلالة) . هو يعلم ذلك ومتيقن منه و يمني النفس دائما بسهولة القضية التي لا تحتاج لوسوسة أو قلق زائدين على الحد ' و المسألة عامة لا تخصه وحده ' وعملية بسيطة لا تستسغرق ساعة تمكنه من التخلص منها ' بيد أن المشكلة التي تقض مضجعه هي هول الارقام التي تقتا ته ' فكيف السبيل الى ذلك؟ وهي تغالي في صعودها القمم الوعرة بينما يظل هو قابعا في حضيضه لا يستطيع حتى رؤية الأشياء واضحة كباقي خلق الله...""خليها على الله""..يقول (سيدي ) طاو يا الجريدة متجرعا سؤر القطران من الفنجان ليتوجه مباشرة الى العمل في الفترة المسائية ولا ينسى أن يسرع الخطى كي لا يصل متأخرا..(سيدي) رجل مخلص
4_ سيدي) يبــــــد ي بعض الاستغراب)
رآهم يجزون حروف لسانه كما يجز صوف الغنم أيام الحر' فلما بادرهم :__ماذا تفعلون؟
أجابوه:__انها دعيرة مفروضة على أ مثا لك
قال:__ومن هم أمثــــــــــالي؟
__الذين لا يدفعون مستحقا تهم
__........لكني أدفع كل المستحقات التي
فقاطعوه بصوت جماعي حازم:__لا تكفـــــــــي
قال لنفسه :__آه..كل تلك الأصفار التي على اليمين والتي تتزايد دائما ..ولا تكفي أبدا..وأنا كما كنت وسأظل صفرا
..................على الشمال
قال لهم:__لم حروف لساني
__انها مسألة تخصهم هم' ونحن لا نعلم عنها شيئا
__لماذا؟
__لسنا ندري نحن مجرد مياومين نقوم بعمل رو تيني تنفيذا للأوامر
__أوامر من؟؟
__انهم هنــــــــــــــــاك
وأشاروا جميعا الى مقر كبير محاط بالبسا تين الخضراء الكبيرة المسيجة بسياج من أسياخ حديد مسننة
قال:__ومن هم أ’و .............؟؟
__.لسنا نـــــــــــــــدري
5__(لما كف ( سيدي) عن قول ( سيدي
في ذاك المحفل رآهم بربطات عنق أنيقة على شكل أفاعي وسحالي ' ولما أبصر نفسه لاحظ ربطة غريبة تشبه أنشوطة المشنقة... سألوه عن حالته العامة والخاصة وحالته الصحية والمالية و فصيلة دمه و أمانيه في الحياة وشواهده المدرسية وغير المدرسية وأرائه المختلفة في الميادين المختلفة وعن عمره وعنوان سكناه الحالي والسابق والذي قبله' وسألوه هل ينوي الرحيل والى أين وكم وقتا قضاه في الحي والمدينة' وماهو أصله وفرعه وهل له عائلة يعولها أو تعوله وما هي موارده وهل يعمل وما هو عمله أم هو عاطل ولماذا وهل هو متزوج وهل له أطفال' و ما الأثاث الذي في بيته و و و
و...بعد أن د و نو ا كل ذلك ' حاول أن يتدخل ليستفهم عن الموضوع فقاطعه رئيسهم في حدة قريبة الى التعنيف
__لماذا لا تكون مثل الناس؟
فأ جاب ناكسا رأسه:__أنـــــــــا مثلهم
___ انظر الى حالتك هاته..انك تعطي انطباعا سيئا عن المواطــــــــــــن الصالح في هذا البلد..وهذا شيئ يضر بالمصلحة العامة
فقال ( سيدي ) باستغراب:___ كيف ذلك؟؟؟
فا نهالت عليه للتو مجموعة من الأصــــــــــــوات المعنفة من كل حدب وصوب
____لماذا لا تتقن حلق لحيتك؟
____لماذا لا تقف مستقيما؟
____لماذا أنت كثير الشكوى والتذمر؟
____لماذا الذمامة طابعك الدائم؟
____لماذا لا تعتني بهندامك؟
____لماذا لا تمشط شعرك؟
فرد هذه المرة مصعدا فيهم عينيه وقد أزاح عنهما نظارته الطبية و طفق يحك محجريه عساه يز يـــــح تلك النجـــــــــــــو م المتراقصة أمام بؤ بؤ يــــــــــه :__ليس لدي مشطا
___لماذا لات تحلقه؟
__لا أتقن الحلاقة
____لماذا لا تقصد الحلاق؟
__ليس لدي نقود
___ كلامك خطير
__ أنا بسيط
___لماذا ؟
__لست أدري
____لماذا لست تدري؟
__ر بما لأ ني جاهل
____لماذا تقول "ربما"؟؟
__لست أدري
___لماذا أنت متشكك
__لست أدري
____ألا تدرك مثل هاته الأشياء البسيطة؟؟
__ممكن
_____...."أجب ب .."نعم " أو "لا
__نعم
_____مااذا تقصد ب.. "نعم"؟؟
__.....نعم...لا أدرك تلك الأشياء البسيطة
____.. اذا أنت مريض .. معقد؟
__نعم...
____أنت تعترف اذا؟؟
__...نعم... والبساطة عقدتي
____!!كلامك غريب
__....واستفساراتكم فظيعــــــــــــة
_____...أنت تتكلم في السياسة
__ أنا أتكلم معكم
____لماذا لا تضحك؟؟
__..لأني فقدت أسناني
____هل تسخر منـــــا؟؟
__أسخر من نفســــــي
____هل تحب أحـــــــــــــدا؟؟
__ أحبكم أ نتــــــــــم
6___ سيدي) يحتفل بالعيد الوطـــــــــــــــــني)
وعند هذا الرد اتسعت أساريرهم و بشوا في وجوه بعضهم البعض وأهدوه ابتسامة مهنئين اياه على سلامته من العيوب و أفرجوا عنه بعد أن أعطوه شهادة تثبت اجتيازه الاختبار بنجاح للا دلاء بها عند الضرورة. فخرج و هو يحمد الله على ما من عليه من نعم وقصد لتوه البيت ..فالوقت متأخر ' وغدا يوم جديد ' وعليه أن يستيقظ مبكرا للتوجه الى العمل....وكذلك فعل ' لكنه عندما وصل الى المقر لم يجد أحدا ' ولما سأل اكتشف __ويا لسعادته__ أن اليوم عطلة بمناسبة العيــــــــــــــــد الوطنـــــــــــــــــي
منقول لأمانه